بقلم فاطمة بوجرتاني
هاجر شابة
في مقتبل العمر من أسرة متوسطة أكملت تعليمها في مادة لم تكن بالنسبة لها سوى شهادة
تضعها بين الرفوف بل كانت الهدف الأسمى في حياتها، رغم أن حلمها اصطدم بمجموعة من العراقيل
إلا أنها كانت كلما أغمضت عينيها ضمته إلى صدرها ، شدته إليها بقوة كأنها تخاف أن ينفلت
من بين يديها في غفلة منها بعد نوم عميق ، نوم تعيد فيه تأثيث أحداثه في سكون الليل
وبعيدا عن ضجر الأنام ، فتعيشه واقعا و لو في لحظات الحلكة الهادئة .
كل من كان
يعرف هاجر أو حتى قابلها لأول مرة ، كان يندهش من إخلاصها لذاك الحلم رغم مرور السنوات
و توالي الأيام عليه ، فقد بقيت وفية له رغم علمها أن الطريق مازال أمامها طويلا بل
طويلا جدا و مازالت تصر بقوة على أن يسمع صوتها مهما طال الزمن ، كانت تعتبر حلمها
طفلا تدفئه بدقات قلبها الذي لا يهدأ ، اعتادت في كل ليلة قبل أن تخلد إلى النوم أن
تطل عليه بين الرفوف تهديه حبا قبل أن تودعه و تعده بأنه يوما ما سيخرج إلى الوجود
، حلمها كان جميلا بين ورقة حافظت عليه من رواسب الزمن ، ليطل مجددا هناك في كل لحظة
تسنح لهاجر بتفقده و الاستئناس بوجوده.
كانت هاجر
و هذا لقب قد أطلقه عليها المقربون منها لشدة هجرتها للحياة العادية و قلة نومها و
ملازمتها لندوات الأدب و الشعر ، كما أنها كانت تهجر النوم لساعات متأخرة من الليل
إما لمطالعة الكتب أو لإتمام أحد أعمالها و الاعتكاف على تنقيحها لتخرجها في أحسن حلة
و يمكن لكل من قرأها أو استمع إليها أن يحس بما بين ثنياها فيصله الإحساس الصادق عبر
كلماتها ، لقد كانت تعي تماما أن اللحظة المناسبة لم تأت بعد لنشر أول كتبها فيكون
بذلك أولى خطواتها نحو النجاح .
توالت الأيام
و هاجر ممسكة بقبضة من حديد بحلمها الذي منحته حياتها ، تحزن لأنها لم تستطع بعد إخراجه
للنور ، لكن ثقتها بنفسها و في إبداعاتها كانا حافزين كبيرين للصمود ، و في يوم من
الأيام جاءت سلمى إلى هاجر و معها بشرى كانت تعلم بأنها تعني لها الكثير ، بريق الفرح
كان يتلألأ بعينيها واضعة بين يديها استمارة للمشاركة في إحدى المسابقات المحلية التي
تقام لأول مرة على صعيد مدينتها ، لم تكن هذه المسابقة لتصل إلى طموح هاجر لكنها اعتبرتها
خطوة جديدة يمكن أن توصلها إلى غايتها الكبرى ، لذلك قررت المغامرة و خوض غمار التجربة
فربما تكون شعاعا يأخذها لحلمها الأكبر ، و كم كانت سعادتها كبيرة و هي تنفض الغبار
عن أوراقها التي ملأت الرفوف وجعلت تلملم شتات الحلم الذي لم يشخ رغم توالي السنين.
كان يوم المسابقة
بالنسبة لهاجر لحظة حاسمة في حياتها ، فقد أمنت بموهبتها و كذا كل من حولها ، لحظة
التنافس على اللقب " أديبة الحي" و الذي تتمنى بشدة أن يكون من نصيبها ،
كانت تقول لنفسها " هذا يوم قد يغير مجرى حياتي ،انتظرته طويلا و يجب علي أن أصل
إلى النهاية ، و هذه هي البداية و كيفما كانت فيجب أن أستمتع بها و كذا كل من حولي
" ، و ما كانت تستمتع به هاجر كان أقرباؤها و أصدقاؤها و كذا سكان حيها يتقاسمونه
معها ،إذ أنها كلما أطلت على خشبة المسرح لتقدم إحدى إبداعاتها كانت القاعة تهتز بالتصفيق
و تستمتع بصدى كلماتها الرقيقة و المعبرة عن حياتها المليئة بالأمل ، عن أولئك الذين
يعانون في صمت ،عن حالات الفرح و الألم .......، لخصت المعاناة و الفرح في كلمات استوقفت
الجميع ، لأنها كانت صادقة و حاولت أن تكون لسان حال شخصيات كتاباتها أو موضوعا لها.
هاجر الفتاة
الطموحة و الحالمة و كذا الصبورة ، كان حلمها بسيطا و هو أن يسمع صوتها عبر هذه المسابقة
، غير أن هذه الأخيرة ستمنح الفائزين فرصة لنشر إبداعاتهم و تسويقها عالميا ، حتى أنها
ستخصص لهم موقعا إلكترونيا من أجل التواصل مع القراء، أكثر مما كانت تتمناه "أميرة
الحلم" لكنها لم تعد تعير ذلك اهتماما لأنها عرفت ما هو أروع من ذلك داخل هده
المسابقة ، فحب الآخرين و مساندتهم لها و تضحيتهم بأوقاتهم و أعمالهم من أجل قضاء لحظات
معها لمساندتها كانت تعني لها الشيء الكثير. استمرت المسابقة مدة أسبوع كامل ، بحماس
كانت هاجر تعطي لمحبيها كل ما لديها من حب
وإبداع ،مما أبهر الجمهور و أعضاء اللجنة .
بالبيت و في أخر أيام مسابقة "أديبة الحي "كان الكل مهيئا لأجل الاحتفال
بهاجر ،حتى و إن لم تفز ، فيكفي محبيها شرفا أنها صدقت و عدها لحلمها و ثابرت للوصول
إليه ،تحت صوت الزغاريد خرجت هاجر من أجواء المسابقة متوجة باللقب ، فرحة كبرى تلك
التي كانت تغمر هاجر و المحيطين بها ، نسيت العالم للحظات طويلة ، فقط تتذكر لحظة التتويج
و كيف استطاعت أن تصمد طوال هذه السنوات ليتحقق الحلم في لحظة هي الأغلى في حياتها
، و في غمرة هذه الأجواء و الكل يرقب فرحة أميرتهم التي أصبحت مثلا أعلى لهم ،وسط ضحكاتها
المتعالية و رقصاتها المتناغمة مع دقات قلبها دون قيود ، مع صوتها الذي ملأ الأرجاء
........عم الصمت المكان ، توقفت حركة العيون أمام المنظر المروع ، فعلى الأرض ارتمت
"الأميرة الحالمة" و "الأديبة المتوجة" جثة على الأرض و هي لا
تزال ممسكة بشهادة هي كل ما استطاعت أن تحتفظ به في لحظاتها الأخيرة ، كل من رافقوها
عبر سنوات الحلم الطويلة توقفت حركتهم بل ظلوا يراجعون أحداث الأمل الذي انقضى أجله
في غفلة منهم ، دموع الفرح امتزجت بدموع الحزن التي أحرقت قلوبهم و هم يودعون هاجر
التي اختطفها الموت في غفلة منهم مودعة إياهم بلهفة المنتظر و ابتسامة المنتصر .