"شعور غريب يكتنفك وانت تشاهد الفيلم الوثائقي ”الحياة في يوم -life in a day" حيث تجد نفسك وجها لوجه مع "نفسك" - لكن في اماكن اخرى- وعندما اقول نفسك اعني ذاتك على مستوى الانسانية ، حيث الانسان هو الانسان في كل مكان.
فكرة الفيلم المبتكرة قامت على اساس بسيط ، حيث لا يوجد فريق تصوير محترف او مهندس صوت او حتى فني اضاءة لتصوير احداثه ، ففريق التصوير والشخوص هم اناس عاديون ليس لهم اي خبرة سابقة في التعامل الاحترافي مع الكاميرا . لذا كُتب على غلافه "فيلم انت من قام بتصويره" !٠
تتلخص فكرة هذا الوثائقي في طلب قدمه موقع يوتيوب الى مستخدميه حول العالم يتمثل في القيام بتصوير تفاصيل حياتهم اليومية في يوم محدد هو ٢٤-٧-٢٠١٠ عن طريق الاجابة عن بعض الاسئلة البسيطة. وحصل الموقع نتيجة لذلك على ٤٥٠٠ ساعة شارك في التقاطها ٨٠ ألف شخص من ١٩٢ دولة كلها تم تصويرها في ذلك اليوم المحدد!
بعد ذلك تم تسليم العمل الى المخرج المعروف كيفين ماكدونالد الذي قام بإخراج فيلم ” آخر ملوك اسكوتلندا“ فيما تسلم دفة تحرير الفيديو جو ووكر. يبدأ الفيلم بلقطات من الفجر ثم الصبح فالظهر فالعصر فالمساء وينتهي بالليل ، مثله مثل اي يوم في حياتنا. كما يعرض تفاصيل اليوم التي تقوم انت بعملها منذ اللحظة التي تفتح فيها عينيك في الصباح على صوت المنبه المزعج وتتشبث بالوسادة تستجديها قطرات اضافية من محلول النوم اللذيذ مرورا بحركة اقدامك التي تلامس الارض بعد الاستيقاظ ثم بداية روتينك اليومي. يكشف الفيلم تفاصيل الانسان اليومية وكأنه ذات واحدة، يأخذك الى رحلة حول العالم، شقق بريطانيا الكئيبة، غابات افريقيا، زقاق القاهرة ، شوارع الصين المكتظة وغيرها من الاماكن حول الكرة الارضية، يوغل احيانا في مناطق بالغة الألم كما يأخذك الى لحظات فرح غامر، تفاصيل مخيفة واخرى بالغة الجرأة .. مواجهة الانسان للفشل وللنجاح، كما هي حياة الانسان التي تتقلب مثل فصول السنة. ربما يكون المشهد الاكثر تطرفا في قسوته مشهد يظهر حوار بين ام وطفلها الذي يبلغ من العمر سبع سنوات فيما يقوم بتصويره الأب، تبدو الأم في المشهد وقد برز من جنبيها اكياس دم متصلة بجسدها حيث يبدو انها تعاني من مرض خطير. تتحدث الأم للطفل الذي كان يداعب امه بشقاوة مفرطة في محاولة لاخفاء حزنه على والدته المتوعكة في مشهد بالغ الانسانية ومفعم بالضعف البشري.
احد العناصر التي اجاد المخرج في اضافتها هي الموسيقى حيث يتهادى العنصر الموسيقي جنبا الى جنب مع الحدث ليمنح شعورا اضافيا باللحظة وعمقا نفسيا لها وهو احد التكنيكات التي يقوم عليها الفن الدرامي بشكل عام الا انه ملاحظ بشكل اكثر دقة في هذا العمل الوثائقي. واخيرا، هل فيلم ”الحياة في يوم“، ممتع؟ لا توجد اجابة محددة على هذا السؤال اذ ان ذلك يعتمد بالدرجة الاولى على ذائقة المشاهد وكيفية تلقيه لهذا النوع التجريبي من الافلام لكنه وبكل تأكيد ”من الصعب الاندماج معه“ كما وصفه الكاتب مايك هيل في المراجعة التي كتبها عنه في صحيفة النيويورك تايمز. الا انه وبكل جدارة ايضا فيلم يستحق المشاهدة فهو توثيق دقيق لحياة الانسان في الحقبة التي نعيشها بآلامها واحلامها ومخاوفها وتطلعاتها..