ينكب العلماء على دراسة أسرار الفأر العاري لخدمة أبحاث أمراض السرطان والعمر المديد.
إذا أراد المرء ان يعيش عمرا مديدا بصورة استثنائية وحياة متعافية ، بمأمن من كل اشكال السرطان ، لا يشعر بألم يُذكر ولا يُصاب بالوحدة ويتمتع ببَشَرة نضرة حتى آخر يوم من حياته ، فليتحول الى فأر خلد عارٍ. ولكن عليه ان يقبل بتنفس هواء عطن والحرمان من ضوء الشمس إلا ما ندر ، وأن يكون معرضا للاصابة بالبرد ، ويعيش في نظام تراتبي ملكي ، وأن ينفض يده من الجنس.
أما كيف اجتمعت هذه الصفات في حيوان واحد من القوارض لا يعيش إلا في القرن الأفريقي فهو لغز حيَّر العلماء. ولكن علماء بيولوجيين وجدوا الآن أداة لمعرفة أسرار الفأر الخلد العاري ، وان ما يكتشفونه قد يعود بمنافع للطب البشري أيضا ذات يوم.
إذ نشر فريق يضم 36 عالما عملوا في 3 قارات جينوم الفأر الخلد العاري الذي اصبح أحدث ، وربما أغرب كائن حي ينجز العلماء بناء السلسلة الكاملة لحمضه النووي.
وقالت الباحثة روشيل بافنشتاين التي شاركت في المشروع من جامعة تكساس ان سلسلة الحمض النووي للفأر الخلد العاري تعتبر كنزا من المعلومات للأبحاث الطبية في السرطان والزهايمر. واضافت ان هذه المعلومات تتيح اختبار نظريات من كل صنف عن الشيخوخة والمرض.
وقالت البيولوجية فيرا غوربونوفا المختصة بدراسة الفأر الخلد العاري من جامعة روتشستر ان جينوم هذا الحيوان يطرح امكانية التوصل الى علاجات قد تمنع الإصابة بالسرطان وربما حتى إطالة عمر الانسان.
والفأر الخلد العاري قارض بلا شعر يكسو جلده ، ذو شفه أرنبية ، طوله 10 سنتم يعيش في مستعمرات تحت الأرض في المناطق القاحلة من كينيا واثيوبيا والصومال وإرتريا. وتعادل تركيبته الاجتماعية التركيبة الاجتماعية لمستعمرة النمل. فهناك ملكة لديها ذكران أو ثلاثة ذكور لتلبية حاجاتها ، وهي الأنثى الوحيدة في المستعمرة التي تلد وتحافظ على النسل. وتتسيد الملكة فوق الجميع في المستعمرة التي قد تضم نحو 200 فأر بحيث ان الأناث الأخريات تتوقف عن التبويض وتسلم الذكور بهذا الواقع متخلية عن الجنس.
ويستطيع الفأر الخلد ان يعيش في بيئة قليلة الاوكسجين ومشبعة بالامونيا وثاني اوكسيد الكاربون. وبخلاف الثدييات الأخرى فانه يجد صعوبة في تنظيم حرارة جسمه. وهو في هذه الناحية قريب من الزواحف. وعلى الفأر الخلد ان يبحث عن المناطق الأكثر دفئا من جحره أو يلتصق بأجسام نظرائه طلبا للدفء.
ولكن أغرب سمات الجرذ الخلد هي طول عمره ومقاومته المطلقة على ما يبدو للاصابة بالسرطان. إذ يستطيع الفأر الخلد العاري ان يعيش أكثر من 25 عاما في حين ان الفأر يعيش نحو 4 اعوام. وقالت بافنتشتاين انها لم تجد ذات يوم ورما خبيثا اصاب احد فئران الخلد العارية في مستعمرتها التي تضم 2000 فأر خلد تدرسها وتراقبها منذ 30 عاما. وفي تجربة أُجريت مؤخرا صُبغت بقع من جلد مجموعة من فئران الخلد بمسرطن كيمياوي قوة جرعته تزيد 1000 مرة على ما يسبب سرطان الجلد في الفئران الأخرى. ولم تنشأ اورام في اي فأر خلد من المجموعة.
وكانت دراسة نُشرت عام 2009 وجدت ان لدى الفأر الخلد العاري آلية جزيئية مضادة للسرطان ليست موجودة في الفئران الأخرى أو البشر. كما تحدث تغيرات في الجينات المرتبطة بالحفاظ على اذناب الكروموسومات التي تحدد عمر الخلية. وهناك تغيرات في الجينات المرتبطة بتحديد البروتينات التالفة بغية التخلص منها ، وزيادة في الجينات المرافقة التي تُبقي البروتينات مطوية في اشكالها الصحيحة. وهناك جينات يبدو انها تمكن الفأر الخلد العاري من إبقاء الخلايا الجذعية في انسجة جسمه فترة أطول من القوارض الأخرى.
ولكن النظرة الأولى التي القاها الباحثون على جينوم هذا الحيوان المؤلف من 22561 جينا بعد انجاز سلسلته الكاملة تبين ان هذه ليست إلا البداية.