إذا سألت أحدا عن أهم ما تميزت به الساحة العربية هذه الأيام ، ستجده يجيبك بسؤال أخر ، الأحرى بك أن تقول ما هي أشهر عبارة جعلت الحلم العربي في الاتحاد يتحقق؟ ، ستجد الجواب و بدون تردد "الشعب يريد" ، فالشعوب عامة و خاصة العربية منها التقت في أكبر انتفاضة لها على الإطلاق ، الهدف كان واحدا و العبارات ذاتها ، توحدت على لسان واحد و في نفس الصف ، اتفاق سجلت شرارته الأولى من بلاد الياسمين لتنتقل العدوى إلى باقي الدول العربية التي استمرت بها الانتفاضات تحت ذات الشعار " الشعب يريد" ، حتى أن البعض اتخذها عادة يكررها مرة كل أسبوع ، و إن اختلفت الأهداف و المصداقية داخل كل بلد ، فالعرب الذين اتفقوا على ألا يتفقوا حققوا الاستثناء بتوحدهم من خلال هذه العبارة الشهيرة التي تِؤِرخ و بقوة لهذا الحدث الكبير في التاريخ العربي .
إلا أن المثير في الأمر هذه الأيام أن تجد العبارة الأشهر على الإطلاق بدأت تدخل قاموس أطفالنا مع تغيير طفيف جدا يسخرونها في خدمة عالمهم الصغير، إذ أنها أضحت الوسيلة الأسهل و الأسلم للدفاع عما يعتبرونه ملكا لهم ، يرددونها كناية عن القوة و المطالبة في نظرهم بحقوق ما كانوا يستطيعون الوصول إليها إلا عن طريق هذه اللعبة ، فقد تسمع و أنت تمر بأحد الأزقة أطفالا انتظموا في مجموعات يرددون مثلا ،" الشعب يريد ذهاب العساس" ، لأنه في نظرهم و منطقهم المحدود يعتبر سجانا يحرمهم من اللعب داخل منطقتهم الخاصة و ما هو إلا دخيل عليهم ، دون أن يستوعبوا أن هذا الأخير يقوم بواجب حمايتهم و حماية ممتلكاتهم داخل تلك المنطقة ، إلا أن طريقة التواصل فيما بينهم جعلت الهوة متسعة فيما بينهم ، و لأنهم جعلوا المسافة أكبر لم يستوعب الطرفان موقف الأخر ، و لو أنهم خلقوا نقطة تواصل تجمعهم لفهم الاثنان أن لكل واحد منهما دورا يؤديه على أرض واحدة .
"الشعب يريد" كانت بالأمس لعبة الكبار داخل أكبر الساحات العربية ، ابتدأت تفقد بريقها بفقدان مصداقية بعض متبنيها الذين استغلوها لمصلحتهم ، "الشعب يريد" أصبحت اليوم لعبة الصغار داخل إطار أصغر ترددها أفواههم في كل مرة تذكروها ، يمارسونها لعبة يتسلون بها في أوقات فراغهم و جلسات سمرهم ، فهل تعتبر هذه هي نهاية اللعبة الأكبر في التاريخ العربي ؟