صدر
مؤخرا عن مجلة الوعي الإسلامي التابعة لوزارة الأوقاف بدولة الكويت، كتاب
التربية بين الدين وعلم النفس للإعلامية والباحثة المغربية بشرى شاكر، وجاء
في تقديم الكتاب من قبل الأستاذ الفاضل فيصل يوسف العلي، رئيس تحرير مجلة
الوعي الإسلامي:
الحمد لله علام الغيوب، المطلع على أسرار القلوب، ذي العزة والكبرياء، والحلم والعلياء، مسبغ أصناف الآلاء، ودافع نوازل البلاء.
وأشهد
أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم السر وأخفى، واشهد أن سيدنا
ونبينا محمدا عبده ورسوله، الذي بصر الله به الأعمى وأقام به معالم الهدى،
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى اله وصحبه أولي النهى.
أما بعد: فان العلم والثقافة الشرعية ميدان خصب لكل متعلم، إذا أراد أن يستزيد من الإحاطة بلغته ودينه ومبادئ أمته.
وحتى
ينتشر هذا الوعي ويعمم، كان لابد من توفير المواد العلمية اللازمة له، ومن
أهم تلك المواد: الكتب بمختلف أنواعها ومناهجها ومستوياتها، شريطة أن تكون
نافذة بناءة جادة.
ولأجل
تواصل المثقفين شرقا وغربا، وتنامي الشعور بالانتماء، وتقوية أواصر
الارتباط الثقافي بين شعوب الأمتين العربية والإسلامية، كانت فكرة الاجتهاد
في إخراج الكنوز التراثية وطباعة الرسائل العلمية أولوية علمية في مجلة "
الوعي الإسلامي"، فهي بذلك تسعى لزرع الثقافة العربية الإسلامية بشتى
صنوفها، في الناشئة والمبتدئين وفي الصغار والكبار على حد سواء.
وقد
جمعت مجلة "الوعي الإسلامي" طاقاتها وإمكاناتها العلمية والمادية لتحقيق
هذا الهدف السامي، فتيسر لها بفضل الله تعالى إخراج عدد ليس بالقليل من هذه
الكتب والرسائل، وكان لها نصيب وافر من الحفاوة والتكريم في كثير من
المجتمعات داخل الكويت وخارجها، وذلك لما تميزت به هذه الإصدارات من أصالة
وقوة ووضوح منهج ومراعاة لمصلحة المثقف وحاجته العلمية.
ومن هذه الإصدارات النافعة كتاب: "التربية بين الدين وعلم النفس" للأستاذة الباحثة بشرى شاكر حفظها الله تعالى ورعاها.
ومجلة
الوعي الإسلامي إذ تقدم هذا الإصدار لقرائها، فإنها تتوجه بخالص الشكر
والتقدير للأخت الفاضلة على إذنها الكريم بطباعة الكتاب، نسأل الله لها
التوفيق والسداد.
أما كمقدمة للكتاب، كتبت الأستاذة بشرى شاكر ما يلي:
عن
أنس رضي الله عنه قال: قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والسلام: «إن
الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» وفي
رواية أخرى «والوالد عن ولده».
وهنا
نرى أهمية التربية عند الله تعالى، الذي جعلها أمانة يسألنا عنها غدا يوم
القيامة، ومن خلال هذا الكتاب سنحاول التعريف بمفهوم التربية ومشاكلها
وإيجاد أساليب تربوية سهلة وبسيطة وعميقة في نفس الوقت، آملين أن نصل إلى
تكوين أجيال قوية وسليمة وفاعلة داخل مجتمعاتها، وذلك من خلال اعتماد
مقاربة علمية نفسية، لكن دون إغفال دور الدين الذي يحدد مسارات الشخصية
السوية المستقيمة ولا يتناقض مع المستجدات العلمية الحديثة، كما يعتقد
البعض، فيكفي أن الإسلام أول من تحدث عن جهاد النفس لأنها أمارة بالسوء وهي
نفسها اللاوعي الذي يتحدث عنه علم النفس الحديث، إذ أن الفرد قد يرتكب
أحيانا كثيرة أشياء هو غافل عن دواعيها، وهنا يلتقي علم النفس والدين
وتلتقي النفس واللاوعي...
قد
تطرق قبلي الكثيرون للتربية النفسية للطفل وأيضا حاول البعض فهم علاقتها
بالدين من خلال بعض الأبحاث والدراسات وقد يكمن الاختلاف من خلال ما سنقدمه
هو ذلك المزج المتوازي بين المنهج النفسي والديني وأيضا في كيفية إيصال
المفاهيم، إذ سأحاول إن شاء الله تعالى أن أبلغ للأسرة، ثم المدرسة بل لكل
فرد مسلم هو مسئول عن النهوض بتربية رجالات ونساء الغد، حلولا سهلة وغير
مبهمة، بأسلوب يمكنه أن يصل إلى فهم العامة، في محاولة لشرح المفاهيم
العلمية بطريقة سلسلة ولينة لا يستعصى فهمها. فالهدف الأساسي من هذا
المشروع البسيط هو محاولة إعادة بناء أسرنا على ركائز سليمة وبأسلوب سهل
مبسط دون تعقيد..
ولعل
من بدايات اهتمام الإسلام بنفسية الطفل هو حث الرسول الكريم عليه أفضل
الصلوات والسلام على اختيار أحسن الأسماء لأبنائنا حتى لا نخجلهم أو نحرجهم
ونحن نناديهم بها أو يتعرضون بسببها للإساءة بالاستهزاء منهم، فحمل ذنب
ذلك للوالدين وأمرهما بحسن اختيار الاسم وهو أول ما يحاور به الطفل داخل
مجتمعه، كما أن الإسلام أوصى برحمة الأطفال وحسن تربيتهم وكان لنا في رسول
الله أسوة حسنة في ذلك أيضا، فهو من عرف برحمته ولينه وحسن معاملته للأطفال
والمراهقين، فأحبوه واقتدوا به ولعل هذا ما جعل زيدا ابن حارثة، يفضل أن
يعيش مع النبي عليه الصلاة والسلام على أن يعيش مع أمه.
ففي
هذا الكتاب إذن، سوف نتحدث عن التربية من منظور علم النفس الحديث، وحينما
نقول الحديث، فذلك نسبة لعمره مقارنة مع التربية النفسية التي تعلمناها من
القرآن والسنة والتي أسست لنا الطريق القويم نحو تربية سليمة وجيل مبني على
ركائز وثوابت صحية...