الطفل هو الصفحة البيضاء التي لا تعرف سوى ما كتب عليها ، فالطفل هو الكائن الأكثر رغبة في إدراك العالم من حوله، كما يملك رغبة كبيرة في التعلّم وعادة ما يحصل التعلّم بالتجربة والممارسة وحتى اللعب، محاولة تقليد الكبار، العناد، إلا أنه لا يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ،لديه قدرة كبيرة على طرح الأسئلة، ذاكرة حادة، حبّ اللعب وقدرة على اكتساب بعض المهارات وإن بالتقليد زيادة على اكتساب لغته و نموها.
لذا، فإن صناعة شخصية الطفل تتم بالعمل على هذه الخصائص، إما سلباً أو إيجاباً ، و تتدخل في تكوين الطفل مجموعة من العوامل تبدأ من الأسرة ثم تتدرج إلى المدرسة فالمجتمع الجديد الذي يتعرف عليه من خلال الشارع ، لكن الطفل اليوم بدأ يتأثر بعوامل أخرى تدعى التكنولوجيا الحديثة التي يؤكد الكثير من الاختصاصيين أنها باتت اليوم أكثر تأثيرا على الطفل من المجتمع و المدرسة .
مجلة بنت بلادي رصدت بعض جوانب الموضوع و التقت مجموعة من الآباء و الأطفال و استقت الآراء التالية.
أمين 15 سنة يقول : "الإنترنيت عالمي الخاص ، فقد ألتقي من خلاله بأصدقائي ، نتناقش مواضيع منوعة بكل حرية ، كما نجدد علاقاتنا بصداقات أخرى نستفيد من تجاربهم لأنه كما تعلمون الإنترنيت ملتقى الأعمار و الجنسيات المختلفة "
رجاء 14 سنة تلميذة فإن رأيها كان ينم عن نوع من التفتح الذي قد لا يعيه الآباء في بعض الأحيان، "في الحقيقة الإنترنيت لم يعد ذلك العالم المنفتح فقط على البحث و المعرفة ، لكنه بدأ يلعب دورا أكبر ، فقد وسع دائرة التعارف بين الناس من مختلف الأجناس و الجنسيات و كذا الأعمار ، غير أنه وجب أخذ الحيطة عند الاستعمال فهو سلاح ذو حدين "
غير أن الانترنيت ليس الوسيلة الوحيدة التي قد تؤثر في شخصية الطفل ، فهي نافذة من بين النوافذ الكثيرة التي يستطيع أن يتعرف من خلالها على عوالم جديدة بغض النظر عن مدى تقبل أو رفض الكبار لها ، و التي قد تجعل الأسئلة مطروحة و تجعل تربية الأطفال تبدو مختلفة بل في بعض الأحيان صعبة بالنسبة للآباء.
سلمى أم لطفل عمره ست سنوات " عندما بدأ ابني يعي الأشياء و أخذ يلتقط بعض الكلمات ، فقد وعيت حينها مدى تأثير التلفاز عليه إذ أنه بدأ يردد بعض الكلمات ولو عن غير علم ، وبدأ يتأثر ببعض أبطال مسلسلات الرسوم المتحركة خاصة منها العنيفة فيقلدها في بعض تصرفاتها و يحاول تطبيق ذلك على من حوله ، لاحظت أنه بدأ يصبح عدوانيا فقررت أن أقنن مشاهدته للتلفاز و أن ألاحظه عن كثب"
أحمد أربعون سنة و أب لخمسة أطفال : " لا نستطيع أن نطبق طريقة التربية التي تربينا بها نحن على أبنائنا ، فعدا عن الأسئلة الكثيرة التي يقومون بطرحها فهم باتوا أكثر و عيا من ذي قبل بالأشياء و ذلك نظرا للتقدم التكنولوجي و المعلوماتي ، في الحقيقة بت أخشى على الآباء من عدم القدرة على التواصل مع أبنائهم خاصة الأجيال القادمة "
"يقضي ابني حيزا من الوقت أمام التلفزة ، إلا أنه و إن كان ضئيلا فإن تأثيرها يكون واضحا عليه ، بالماضي كان بإمكان الآباء التقنين من المشاهدة و لو قليلا ، لكننا اليوم و في ظل الغزو الكبير للقنوات فقد بات الأمر شبه مستحيل ، وبذلك فقد باتوا يتعرفون على ثقافات أخرى و بالتالي فإن الأسئلة الكثيرة من قبل الأطفال قد تبقى شبحا يطارد الآباء في بعض الأحيان " تقول خديجة ربة بيت
مصطفى مدير مؤسسة تعليمية يؤكد" على الآباء أن يكونوا واعين كما المربين بدور التكنولوجيا في المساهمة في تربية الأبناء ، فهم مستقبلون من الدرجة الأولى و لا يستطيعون التمييز بين الجيد و لا الضار و تأثيرها قوي حسب الاستعمال ، التكنولوجيا تقدم لنا كل شيء ووجب علبنا الاختيار الجيد لأبنائنا حتى لا يصبح ضحية لهذا العالم المتقدم بدل الاستفادة من قدراتهم في المستقبل "
إلا أن السؤال الذي بات يطرح نفسه اليوم و بإلحاح هو ، هل ألغت التكنولوجيا دور المؤثرين التقليديين على الطفل (المجتمع و المدرسة) ؟ هل تلاشى دور المجتمع المؤثر و المتأثر بتناقضات أبنائه؟و هل تقلص دور الأسرة لتلعب فقط دور الملاحظ المبهور بهذه التكنولوجيا التي سرقت بعضا من لحظات التجمع الأسري و التلاحم الذين كانا يسودان الأسرة المغربية ؟
" أعتقد أن دور الأسرة و المدرسة لا يمكن أن يتم إلغاؤه مهما تطورت المجتمعات ، فالأسرة هي المجتمع الصغير الذي يفسح المجال لتوسيع دائرة معارف الطفل ثم ينطلق إلى المدرسة التي تكون بالنسبة له العالم الجديد الذي يكتسب منه الأشياء الكثيرة ، ففيها يتعرف على مدرسة تكون مثل أمه إلا أنها ليست كذلك يتأثر بها و بمحيطها الصغير الذي هو القسم .....فدور المدرسة و الأسرة لا يمكن أن يلغى" تقول مريم
رشيدة فاعلة جمعوية تقول " دور المدرسة بدأ يتضاءل في ظل ظهور التكنولوجيا الحديثة ،فعلى المربين أن يعوا صعوبة مهمتهم ، لأن الساحة التي كانت ملكا لهم، أصبحت اليوم ملكا للتكنولوجيا و أطفالنا سريعي التأثر بها و بموادها المتنوعة و عطائها المتجدد"
أما خليل مدرس يقول: " أصبح دور المدرسة اليوم يتقلص لكننا لا يمكن أن ننكره ، لذا وجب تطويرها و تغيير نظرة المربين إلى الطفل و احتضانه من أجل القدرة على التواصل معه ، مع تطوير ذواتهم خاصة في المجال المعلوماتي ، لأن الفكر قد تطور وما كان يمكن إبلاغه بطريقة ساذجة لطفل ذي أربع سنوات مثلا بات من الصعب تلقينه بنفس الطريقة لأطفال استعمرتهم التكنولوجيا من نفس السن "
"للأسرة دور مهم في تربية الأبناء ، فهي اللبنة الأولى لتطور حياة الطفل من خلال التلقين و المتابعة و التقويم و كذا التوجيه ، و قد تلعب دورا هاما في نجاحه أو فشله حسب الظروف التي تهيؤها الأسرة لهم" تقول سميرة إطار بنكي
الأسرة و المدرسة عاملين أساسين لا يمكن تجاهل دورهما في تطوير ملكات الطفل ، كما أن دور التكنولوجيا المتنوعة و المتجددة لا يمكن أن ننكره إلا أنه يجب على الآباء و على المربين تغيير نظرتهم إلى أطفالنا و التعامل معهم بوعي أكثر، كما وجب التقرب إلى أبنائنا حتى لا يضيع أبناؤنا بين الاختلاف الفكري للأجيال و الاستعمار الفكري للتكنولوجيا .
بقلم بوجرتاني فاطمة